ضمن مقال له بالصحيفة الأمريكية "واشنطن بوست"، كشف الكاتب الأمريكي ديفيد إيغناتيوس أبرز تفاصيل لقائه مع الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز، ولي ولي العهد السعودي، الذي امتد 90 دقيقة، عكست كيف أن الأمير الشاب بعد عامين فقط يقف على ثقة عالية في دولة محافظة مناضلاً عن حملته كمحفز للتغيير في المملكة النفطية المحافظة، مجدولاً أعماله للإصلاح الاقتصادي والاجتماعي.
ويقول إيغناتيوس: "لقد قام الأمير الشاب بتوضيح خططه في لقاء بمكتبه، استمر تسعين دقيقة، في مساء يوم الثلاثاء. وقد قال مساعدوه إن هذه كانت هي المقابلة الأولى المطولة له منذ أشهر".
وتحدث الأمير بشكل تفصيلي حول مواضيع عدة، مثل السياسة الخارجية وخطط خصخصة الشركة العملاقة في مجال النفط "أرامكو السعودية"، واستراتيجية الاستثمار في الصناعة المحلية، وتنمية قطاع الترفيه على الرغم من معارضة البعض.
وقال الأمير محمد بن سلمان: "إن الشرط الأساسي والجوهري للإصلاح هو رغبة الشعب في التغيير". وأضاف: "الأمر الأكثر إثارة للقلق هو إذا ما كان الشعب السعودي غير مقتنع. وفي حال كان الشعب السعودي مقتنعًا فعنان السماء هو الحد الأقصى للطموحات".
ويبدو أن هناك رغبة متزايدة بالتغيير في هذا البلد الشاب والدؤوب؛ فقد قال لي رئيس مركز لقياس الرأي العام، هو عبدالله الحقيل، إن استطلاع الرأي الذي أجراه المركز مؤخرًا أظهر أن نسبة 85 % من المواطنين متى ما أرغموا على الاختيار سيفضلون الحكومة على غيرها من السلطات المختلفة. وأضاف بأن هناك ما يقارب 77 % من الذين شملهم الاستطلاع يؤيدون خطة الإصلاح "رؤية 2030" التي تقوم بها الحكومة، وأن هناك 82 % ممن يفضلون العروض الترفيهية في التجمعات العامة. وعلى الرغم من أن هذه الأرقام غير مؤكدة بشكل مستقل إلا أنها تشير إلى توجهات المشاعر الشعبية، التي يقول عنها السعوديون إنها مدعومة بالأدلة.
وقال "MBS" ، وهو اللقب المعروف به ولي ولي العهد، إنه كان "متفائلاً جدًّا" بالرئيس ترامب. ووصف ترامب بأنه "الرئيس الذي سيعيد الولايات المتحدة إلى مسارها الصحيح" بعد باراك أوباما، الذي لم يثق به المسؤولون السعوديون.
واستطرد الأمير قائلاً: "على الرغم من أن ترامب لم يتمم بعد 100 يوم في كرسي الرئاسة إلا أنه استعاد جميع تحالفات الولايات المتحدة مع حلفائها التقليديين".
وقد كانت الزيارة التي قام بها وزير الدفاع جاميس ماتيس للمملكة هذا الأسبوع إشارة إلى ترحيب السعودية لإدارة ترامب. وفي حين أن إدارة أوباما قامت بانتقاد الحرب السعودية في اليمن ناقش ماتيس إمكانية تقديم دعم أمريكي إضافي للسعودية إذا لم يوافق الحوثيون على تسوية من قِبل الأمم المتحدة. (تعليق الكاتب: لقد سافرت إلى السعودية كجزء من الوفد الصحفي المرافق لماتيس).
وكان الأمير محمد بن سلمان يتكلم بشكل دبلوماسي عن روسيا والولايات المتحدة، وقد طرح تفسيًرا مثيرًا عن هدف السعودية بهذه الدبلوماسية. وقال الأمير: "الهدف الرئيسي من هذا هو ألا تضع روسيا جميع أوراقها خلف إيران في المنطقة". ومن أجل إقناع روسيا بأن السعودية تعد رهانًا أفضل من طهران في المنطقة أضاف الأمير: "نحن نقوم مؤخرًا بتنسيق سياساتنا النفطية مع موسكو. وهذه قد تكون أهم صفقة لروسيا في العصر الحديث".
يجدر بالذكر أن فرضية التوتر السياسي أصبحت غير مطروحة لدى المحللين السياسيين، عكس ما كان عليه الوضع في العام الماضي بين الأمير محمد بن سلمان وولي العهد الأمير محمد بن نايف الذي يعد رسميًّا الشخص التالي في ترتيب ولاية العرش، والمقل من الظهور الإعلامي.
من الواضح أن ولي ولي العهد قد رسم الاستراتيجية العسكرية والسياسة الخارجية والتخطيط الاقتصادي. كما كوَّن الأمير محمد بن سلمان فريقًا فنيًّا أصغر سنًّا وأكثر شبابًا من المسؤولين السابقين في السعودية.
وقد بدت خطط الإصلاح على أنها تتقدم بثبات، وإن كانت بطيئة. وقال الأمير محمد بن سلمان: "إن العجز في الميزانية قد انخفض، وإن الإيرادات غير النفطية قد ارتفعت بنسبة 46 % من عام 2014م إلى عام 2016م، ومن المتوقع أن تنمو بنسبة 12 % إضافية هذا العام". واستطرد الأمير قائلاً: "إن البطالة والإسكان لا يزالان يمثلان مشكلة، وإن من المرجو حدوث تحسُّن في هذين الجانبين بحلول فترة 2019-2021".
أكبر تغيُّر اقتصادي هو خطة لخصخصة 5 في المئة من شركة أرامكو السعودية، التي قال الأمير محمد بن سلمان إنها خطوة سوف تتم في العام المقبل.
ومن المرجح أن يجني هذا الطرح الأولي المئات من المليارات من الدولارات، وقد يكون أكبر عملية بيع في التاريخ المالي. ولقد أخبرني الأمير محمد بن سلمان بأن الحجم الدقيق لمثل هذا الطرح سوف يعتمد على طلب سوق المال وتوافر الخيارات الجيدة لاستثمار الإيرادات التي يتم جَنْيُها. والفكرة الأساسية خلف بيع حصة من هذا الكنز النفطي للمملكة العربية السعودية هي جني الأموال لتنويع الاقتصاد بعيدًا عن الاعتماد على الطاقة. وسوف تكون إحدى الأولويات قطاع التعدين، الذي يمتلك ثروة معدنية محتملة تقدر قيمتها بـ1.3 تريليون دولار أمريكي.
كما ذكر المسؤول السعودي أهدافًا استثمارية أخرى، هي: إنشاء صناعة محلية لتصنيع السلاح، وتقليل ما قدره 60-80 مليار دولار أمريكي مما تنفقه المملكة العربية السعودية على شراء الأسلحة من الخارج، وإنتاج مركبات القيادة في المملكة العربية السعودية؛ لكي تحل محل ما تنفقه الحكومة سنويًّا على المركبات المستوردة، التي يقدر قيمتها تقريبًا بـ14 مليار دولار أمريكي، وإنشاء قطاعات محلية للترفيه السياحي؛ وذلك للحصول على جزء مما ينفقه السعوديون سنويًّا حينما يسافرون للخارج؛ إذ تقدر تلك الأموال بـ 22 مليار دولار أمريكي.
قطاع الترفيه ليس إلا واجهة أمامية للغز أكبر، هو كيفية فتح الاقتصاد السعودي. وقد بدأت التغيرات تجري فعلاً؛ إذ أحيت فرقة أوركسترا يابانية حفلاً أُقيم هنا في الشهر الحالي، وذلك أمام جمهور من العوائل. وعلاوة على ذلك، هناك فعالية لـ"كوميك كون"، أُقيمت في جدة مؤخرًا؛ إذ ارتدى فيها الحضور أزياء شخصيات مسلسلات تلفزيونية، مثل مسلسل "سوبر ناتشورال"، وغيرها من مسلسلاتهم المفضلة. كما تحتوي النوادي الكوميدية على ممثلي السكتشات الكوميديين، ولكن ليس من بينهم أي نساء.
هذه الخيارات ليست إلا ثورة بسيطة بالنسبة إلى المملكة العربية السعودية، التي كانت مواقع الترفيه تقتصر فيها إلى حد قريب على المطاعم والأسواق فقط، وبات العالم المعاصر بكل خشونته يقترب، سواء كان ذلك سوف يؤدي إلى نتائج أفضل أو أسوأ.
أيضًا، استضاف استاد الملك فهد الدولي في الرياض في الشهر الماضي حدثًا خاصًّا بـــ "مونستر جام" محتويًا على الشاحنات ذات المحركات القوية والكبيرة. كما أن هناك خططًا لإنشاء مدينة "Six Flags" في جنوب الرياض.
وقالت السيدة مي العذل في لقاء لها - وهي أحد العشرات من الشبان الذين يعدون الخطط في الهيئة العامة للترفيه - إنها تريد أن تجلب "متحف المثلجات" إلى المملكة العربية السعودية، الشبيه بالمتحف الذي زارته في مدينة نيويورك.
من جهة أخرى، قال مصرفي الاستثمار السابق أحمد الخطيب، الذي يترأس الآن هيئة الترفيه: "نحن نريد تحسين ثقافة الترفيه". وهو يهدف لإنشاء 6 خيارات ترفيهية عامة في كل نهاية عطلة أسبوع من أجل السعوديين. ولكن الهدف الأكبر - بحسب حديثه - هو "نشر السعادة". يبدو أنه يرد على من يقول إن بلاده في بعض الأحيان مصابة بالكآبة.
القوة المحركة خلف محاولة إعادة تصوير شكل السعودية هو ولي ولي العهد البالغ من العمر 311 عامًا؛ إذ بسلوكه المفعم بالطاقة والحيوية يناقض تمامًا التحفظ الصحراوي التقليدي الذي يتسم به معظم المسؤولين السعوديين. وعلى خلاف الكثير من الأمراء السعوديين فهو لم يتلقَّ تعليمه في العالم الغربي؛ ما مكنه من الحفاظ على طاقته القتالية التي تُعَدُّ سببًا لجاذبيته لدى الشريحة السعودية الشابة.
المهمة التي أمام محمد بن سلمان هي الحفاظ على علاقة التحالف مع الولايات المتحدة من دون أن يقبل أن يكون دمية في يد الولايات المتحدة؛ إذ قال الأمير محمد بن سلمان: "لقد تأثرنا كثيرًا من الولايات المتحدة، وذلك ليس بسبب ممارسة أحدهم الضغط علينا؛ فلو قام أحدهم بممارسة الضغط علينا لسلكنا الاتجاه المعاكس تمامًا، ولكن لو وضعت فيلمًا في دار السينما وشاهدته فقد أقتنع بما شاهدت". كما قال أيضًا: "من دون التنوع الثقافي سينتهي بنا المطاف مثل كوريا الشمالية. ومع استمرار الولايات المتحدة في أن تكون حليفة للمملكة العربية السعودية فمن دون شك سوف نندمج بشكل أكبر مع المتغيرات العالمية".
إن الأمير محمد بن سلمان محافظ حينما يتحدث عن القضايا الدينية؛ إذ يتعامل مع السلطات الدينية كحلفاء موثوقين له ضد التطرف، ولا يعاملهم كخصوم. ويكرر الأمير محمد بن سلمان حجة مفادها أن النهج الديني المتطرف في المملكة العربية السعودية هو ظاهرة حديثة نسبيًّا نتيجة للثورة الإيرانية التي وقعت في عام 1979، واحتلال المسجد الحرام في مكة من قِبل متطرفين سنة في العام ذاته كردة فعل للتطرف الشيعي.
وقال الأمير محمد بن سلمان: "أنا شاب، وسبعون في المئة من مواطنينا هم من الشباب. نحن لا نريد أن نضيع حياتنا في هذه الدوامة التي كنا فيها طوال الـ30 سنة الماضية بسبب الثورة الخمينية، التي سببت التطرف والإرهاب. نحن نريد أن ننهي هذه الحقبة الآن. نحن نريد - كما يريد الشعب السعودي - الاستمتاع بالأيام القادمة، والتركيز على تطوير مجتمعنا، وتطوير أنفسنا كأفراد وأُسر، وفي الوقت نفسه الحفاظ على ديننا وتقاليدنا. نحن لن نستمر في العيش في حقبة ما بعد عام 1979". واختتم حديثه قائلاً: "لقد ولى زمان تلك الحقبة".